| 0 comments ]

ليس القرار بشأن قضية أمراً يمكن أن يكون كما الرجم بالغيب، أو التنجيم بمثل الذي يفعله ضاربو الكف، وكاتبو الأحجبة التي يظن البعض أنها محصِّنة لهم من هجمات الوسواس الخناس، وأولئك الذين نفث أبناء إبليس في صدورهم.
وبحكم  أن الخبرة، وتراكم التجارب، وكثرة العلوم والمعارف، هي جميعاً التي تهدي نحو الرؤية الثاقبة، والقرار الصائب، فإن الذي يدعي بأنه قادر بمفرده على تصحيح الخطأ، ورد الحركة بعد انحرافها إلى الطريق المستقيم، لا تنمُّ مثل دعواه هذه إلا عن جهل فاضح، إذا كانت مثل تلك الدعوى، قائمة على مزاج شاطح، وتفكير أحادي، يعزل العلم بعيداً، بالنأي عن الشورى إذ لا بدَّ من إخضاع الأمر إلى أخذ وعطاء، يكون مناطهما، استشارة واسعة، واستخارة لا يخيب بعدهما قرارٌ حتى وإن لم يرق إلى درجة التمام والكمال.
والنقصُ الذي يشوب قراراتنا، بعد صدورها ووضعها  موضع التنفيذ، يكون مبعثه في الغالب والأعم، عدم نضوج المادة التي كانت أساساً  لصنع القرار، فلم تقتل طبخاً أو أن الذين عهد إليهم ذلك تنقصهم المعرفة والدراسة بفنيات ومواصفات الطريقة المثلى التي تقود نحو تصميم واتخاذ القرارات، وفاءً لمقتضيات ومطلوبات المضمون قبل الشكل، والهدف المقصود، دون أن يكون الاعتماد في مثل هذا الشأن على المزاج.
ولا أجد بأن اتخاذ القرارات المصيرية في شأن الدول والمجتمعات، من الوظائف السهلة، لإسنادها لطائفة دون دراسة، أو العهد بها لأشخاص ٍ، وهم لا يحيطون علماً بما كلفوا به من مهام.
ومن أهم العناصر الضامنة لتوخي الدقة في اتخاذ القرارات، أن يدرك الجميع أن لكل موضوع قاعدة، ولكل قاعدة بيانات، والبيانات لا يحللها إلا مختصون، والمختصون أنفسهم في كثيرٍ من الأحيان تختلط عليهم النتائج، ويستعصي الوصول إلى رأي مجمع عليه، إلا بعد إجراء عمليات واسعة من الاستنارة والاستشارة ومن ثمَّ يبذل الجهد بتلك الشاكلة تمهيداً لاتخاذ القرار.
ومن أمثلة القرارات التاريخية التي افتقرت لعناصر الصحة بجنوحها نحو الفردانية وابتعادها عن رأي الآخر المختص خبيراً  كان أو عالماً، نشير إلى احتلال صدام حسين لدولة الكويت، وإصرار العقيد القذافي بسوق الشعب الليبي رغماً عن أنفه، وما يفعله بشار الأسد قتلاً وتنكيلاً لأبناء جلدته.
 وقد يكون علي عبد الله صالح قد اتخذ قراراً بمبارحة كرسي السلطة، لكنه استفاد كثيراً قبل المبارحة بالذي تلقاه من نصائح أسعفته لدرجة بعيدة للنجاة، فتجنب بذلك أن يكون ضحية من الضحايا، أو كبشاً للفداء، وذلك رغماً عن الفاتورة الضخمة التي تحمّلها الشعب اليمني بالنظر إلى ما اضطرم في اليمن السعيد من اعتصامات وأحداث، لم تخلُ من مواجهات وقتل وسيلٍ للدماء.

0 comments

إرسال تعليق

زوارنا

free counters

 
host gator coupon